موجات قاسية من الجفاف والفيضانات تضاعف من انعدام الأمن الغذائي الشديد

تحقيق : منير بن وبر
واجه اليمن موجات قاسية من الجفاف والفيضانات، مما يشكل مزيجًا خطيرًا من الكوارث على شعب يعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي الشديد.
يعد نقص المياه والتصحر بعض أعقد التحديات التي تواجه اليمن؛ تعاني البلاد من شح مزمن في المياه ونسبة تصحر عالية، ناهيك عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف والتغير في أنماط الطقس مثل ارتفاع درجات الحرارة. تؤثر كل تلك التحديات سلباً على البنية التحتية والاقتصادية للبلاد وعلى إنتاج الغذاء وانتشار الأمراض؛ بما يعكس مستقبلاً قاتماً لليمنيين الذين يتم دفعهم بلا هوادة إلى حافة المجاعة.
وتشير التقديرات إلى أن نسبة التصحر وإزالة الغابات في اليمن قد ارتفعت من 90% في العام 2014 إلى 97% في العام 2022. وخلال موسم الجفاف والأمطار في العام 2024م في اليمن، ارتفعت درجات الحرارة بشكل حاد خلال شهر يونيو، وشهدت البلاد شحاً في الأمطار قبل أن تضربها الأمطار لاحقاً في يوليو وأغسطس من العام ذاته ، مما أثر بشكل كبير على الزراعة وسبل عيش السكان في المناطق الريفية.
تسبب الجفاف الشديد 2024م في إجهاد المحاصيل الزراعية وتقليل إنتاجيتها، مما اضطر بالعديد من المزارعين إلى تعليق أنشطتهم الزراعية. ولجأ البعض الآخر إلى زيادة الضخ من الآبار، مما يهدد بتدهور الموارد المائية على المدى الطويل. كما أدى ارتفاع الحرارة وزيادة الغبار إلى تفاقم المشاكل الصحية، خاصة لدى كبار السن ومرضى الجهاز التنفسي. بعد ذلك، وخلال موسم الأمطار، أضرت السيول والفيضانات بمساحات زراعية كبيرة مما أثر على سلباً على إنتاج الغذاء في اليمن وبالتالي ارتفاع أسعاره.
النزوح الداخلي والإِضرار بالنازحين والضغط على موارد المجتمعات المستضيفة هو أحد العواقب الوخيمة للتغير المناخي أيضاً. اليوم، تشير التقديرات إلى وجود أربعة ونصف مليون نازح داخلي في اليمن، غالباً يكون الصراع المحرك الأساسي للنزوح، لكن لا يمكننا إغفال تغييرات المناخ التي تؤثر على سبل عيش السكان. وفقاً لدراسة نشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أواخر 2023 فإن اليمن يواجه تحديات تنموية معقدة ومتعددة الأوجه، ويعمل تغير المناخ بمثابة عامل مُضاعِف لعدم اليقين مع إمكانية تقييد مستقبل البلاد بشكل خطير. وتشير الدراسة إلى إنه في حالة وقوع سيناريو استمرار تغير المناخ في اليمن دون أي تدخل قادر على تغيير مساره فإن البلاد سوف تخسر 93 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2060.
القرى والمجتمعات الزراعية الصغيرة في اليمن ليست الوحيدة التي تواجه آثار تغير المناخ، بل حتى المدن الكبيرة مثل صنعاء وعدن. وفي حين أن بعض آثار تغير المناخ يمكن أن تكون سريعة وواضحة مثل الفيضانات، فإن البعض الآخر، مثل الجفاف، يمكن أن يستغرق عقوداً قبل أن تلمس المجتمعات آثاره المدمرة.
تشير التقارير والتقديرات مثلاً إلى إن معدل استهلاك المياه في اليمن أعلى من معدل التجديد، مما يعني – مثلاً – أن جميع آبار المياه التي تغذي صنعاء على وشك الجفاف. كما تعد مدينة عدن الساحلية، العاصمة المؤقتة للبلاد، سادس أكثر المدن في العالم عُرضة لارتفاع مستوى سطح البحر. يؤدي ارتفاع مستوى البحر إلى تسرب المياه المالحة، مما يجعل طبقات المياه الجوفية الساحلية مالحة وغير صالحة للشرب.
إن مواجهة أزمة المياه في اليمن تستدعي تضافر الجهود المحلية والدولية على السواء؛ إذ يجب على الحكومة والمجتمعات المحلية والمنظمات الدولية العمل سوياً من أجل وضع وتنفيذ استراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ، والاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وإدارة المياه بشكل مستدام. كما يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والتقني لليمن، ومساعدته على بناء قدرته على الصمود أمام الصدمات المناخية. تبدأ الحلول من زيادة التمويل لخطط برامج الاستجابة للأزمة الإنسانية في اليمن؛ فبدون وجود موارد كافية وحوكمة قوية ستبقى الأزمة عند مستوياتها الحادة، والأرجح أن تتفاقم أكثر. تشمل قائمة المشكلات المحتملة نتيجة شح المياه تزايد النزاعات على موارد المياه، ارتفاع تكاليف استخراج وتوصيل المياه، وزيادة حدة الجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر.
بناء على ذلك، يجب أن تتركز الجهود على تدريب المجتمعات المحلية على إدارة موارد المياه وتحسين كفاءة استخدامها. يمكن القيام بذلك من خلال إجراء تقييم شامل للموارد المائية ووضع خطط إدارة متكاملة لها، علاوة على تطبيق تقنيات الري الحديثة وإعادة تأهيل البنية التحتية للمياه وتشجيع الزراعة المقاومة للجفاف. يمكن الانتقال بعد ذلك إلى التدخلات التي يمكن أن تكون أكثر تكلفة وتُنفذ على المدى الطويل مثل تنويع مصادر المياه من خلال مشاريع تجميع مياه الأمطار وحتى مصانع تحلية مياه البحر واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة. أخيراً يجب أن تشمل الخطط برامج مكافحة التصحر وزيارة رقعة المناطق الخضراء ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع بأهمية ترشيد استهلاك المياه والحفاظ على البيئة.
إن نجاح إنقاذ اليمن من أزمات شح المياه الحالية والقادمة مرهون بإيقاف النزاع في المقام الأول، وتوفير الدعم المالي والفني من الدول المانحة والمنظمات الدولية لتنفيذ المشاريع المائية، وبناء شراكات مع الدول الأخرى التي تواجه مشاكل مماثلة لتبادل الخبرات والتكنولوجيا، علاوة على زيادة المشاركة المجتمعية لفهم أفضل للمشكلات والأولويات وتبني أكثر الحلول فعالية.
تحقيق منتدى فكرة
مقالات ذات صلة
لم يتم العثور على مقالات ذات صلة